" أحبارنا"
سيرة البطريرك الياس الحويك (1843- 1931) (3)
دور الحويك في حركة الاستقلال من خلال مؤتمر الصلح في باريس 1919، واعلان دولة لبنان الكبير 1920
وبعد فشل الوفد اللبناني برئاسة داود عمّون في شباط 1919، في تحقيق الاهداف الوطنية، وذلك من خلال الاتصالات والدسائس التي قام بها الملك فيصل مع الحلفاء، توجّهت الانظار نحو الصرح البطريركي في بكركي، فاللبنانيون لم يجدوا مناسباً لتلك الفترة الا البطريرك الحويك البالغ من العمر انذاك 76 سنة، لكي يرأس الوفد اللبناني الثاني الى مؤتمر الصلح ويطالب بحقوق لبنان. وتوافدت لهذه الغاية الوفود الى الصرح البطريركي، من جميع الطوائف اللبنانية، وسلمت البطريرك تفويضات من كل اللبنانيين للتكلّم بإسمهم وللسعي لتحقيق مطالبهم في مؤتمر الصلح، وكان مجلس إدارة جبل لبنان قد إجتمع في حزيران 1919 لهذه الغاية وأخذ قراراً بتكليف البطريرك الحويك لرئاسة الوفد اللبناني الى مؤتمر الصلح في باريس ليطالب بإستقلال لبنان الكبير ، الكامل والاداري وفي حدوده الطبيعية وبمساعدة فرنسا.
ونظراً لإجماع كل اللبنانيين ومن كافة الطوائف والمذاهب ومن جميع المناطق، قبل البطريرك الحويك المهمة وغادر لبنان على رأس وفد رسمي في 15 تموز من سنة 1919 حاملاً في قلبه أماني اللبنانيين كل اللبنانيين. وصل البطريرك الحويك الى باريس فاستُقبل كحليف وصديق فاجتمع بالمسؤولين الفرنسيين هناك وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ”بوانكاريه“ ورئيس الوزراء ”كليمنصو“ الملقب بالنمر. وعرض معهما اولاً مضمون المذكرة الرسمية التي كان يحمل وهذا نصها: ” أن البطريرك الماروني رئيس الوفد اللبناني الى مؤتمر الصلح وبإسم حكومة المجلس الاداري في لبنان الذي فوّضه، وبإسم الشعوب والقرى اللبنانية أو التي تطلب الالتحاق بلبنان دون تمييز بالطقوس والعقائد وقد فوضته تلك الشعوب بصورة شرعية ووضعت التفاويض في الامانة العامة لمؤتمر السلام بفضل جهود وزارة الشؤون والعلاقات الخارجية الفرنسية، يتقدم من حاكميّة القوى الحليفة والمطلقة الصلاحية والمنعقدة في مجلس أعلى في مؤتمر السلام في باريس بالمطالب الآتية:
1- الاعتراف للبنان بالاستقلال الذي نادت به الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني في 20 أيار 1919.
2- إعادة لبنان الى حدوده التاريخية والطبيعية بإرجاع البقع التي سلختها عنه تركيا.
3- معاقبة المرتكبين والمسببين للقتل والفظائع والزام الحكومة التركية بالتعويضات.
4- ولما كانت معاهدة الصلح التي أبرمت في فرساي في 28 حزيران 1919, قد وضعت مبدأ الانتداب، فنحن نطلب دون أن يؤثر طلبنا هذا بشيء على حقوق اللبنانيين في السيادة المطلقة أن يُعهد الانتداب في لبنان الى الجمهورية الفرنسية، راجين منها أن لا تتأخّر عن اسداء معونتها ومشورتها الى لبنان طبقاً للبند (22) من ميثاق جمعية الامم.
وفي فترة وجوده في باريس، كثف البطريرك الحويك إجتماعاته ومشاوراته مع جميع المسؤولين من دول الحلفاء المشاركين في مؤتمر الصلح، وخاصة مع المسؤولين الفرنسيين وعلى رأسهم رئيس الوزراء ”كليمنصو“ الذي كان البطريرك قد وجّه إليه كتاباً خطياً في 16 أيلول 1919. جاء فيه: ” أنّي يا صاحب الفخامة، بطريرك لبنان، جئت رغم ال 76 سنة التي أحمل اعباءها لأدافع عن القضية اللبنانية المقدسة، وأنا أمثّل جميع الملل والنحل اللبنانية، ولن أفوز بقضيتي إذا لم اقابلكم شخصياً.“
وبالفعل وبعد هذه الرسالة استقبل السيد كليمنصو الوفد اللبناني برئاسة البطريرك الحويك في 15 تشرين الاول 1919، وأعرب له عن مدى إهتمام فرنسا جديّاً
بقضية لبنان، وسلّمه كتاباً خطياً جاء فيه ما نصّه بالعربية ” صاحب الغبطة، ليكن اللبنانيون على ثقة من أنهم وبمعاهدة فرنسا ومساعدتها سيحافظون على تقاليدهم، ويوسعون أنظمتهم وجميع منافع بلادهم، ويرون أولادهم يتهيأون في مدارسهم الخاصة للوظائف العمومية في لبنان وذلك بالاستقلال التام. وفي الختام أرجو أن تقبل يا صاحب الغبطة تأكيدات قائق إحترامي.
الامضاء
كليمنصو
يتبع
الاستاذ يوسف سركيس